القيم الاجتماعية من خلال التراث السوسيولوجي

القيم الاجتماعية من خلال التراث السوسيولوجي
أولا: تعريف القيم :
يعتبر مفهوم القيم من المفاهيم الشائعة في مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية ، إلا أنه لا يوجد ثمة اتفاق بين العلماء حول تعريف موحد لهذا المفهوم ، وذلك لاختلاف منطلقاتهم الفكرية وحقولهم الدراسية.فلقد تعددت تعريفات القيم في الأدبيات الاجتماعية والنفسية ، ومن بين التعريفات المختلفة مايلي:
§       تالكوت بارسونزTalkolt Parsons : بأنها عنصر في نسق رمزي مشترك يعتبر معيارا ، أو مستوى للاختيار بين بدائل التوجيه التي توجد في الموقف.
ويعرفها كذلك على أنها المعايير التي نحكم بها على كون الشيء مرغوبا فيه، أو غير مرغوب فيه.
§       إميل دور كايم E. Durkheim: القيم هي إحدى آليات الضبط الاجتماعي المستقلة عن ذوات الأفراد الخارجة عن تجسداتهم الفردية.
§       كلاكهونKluckhonn : أنها مفهوم – واضح أو ضمني – خاص بالفرد ، أو بالجماعة بالمرغوب فيه ، يؤثر على الاختيار من بين نماذج من الأفعال أو الوسائل أو الغايات.
§       هوفستادHofstad : بأنها اعتقادات عامة تحدد الصواب من الخطأ ، أو الأشياء المفضلة من غير المفضلة.
§       شوارت Schwart: بأنها عبارة عن مفاهيم ، أو تصورات للمرغوب ، تتعلق بضرب من ضروب السلوك ، أو غاية من الغايات ، وتسمو أو تعلو على المواقف النوعية ، ويمكن ترتيبها حسب أهميتها النسبية.
§       حليم بركات: أنها المعتقدات حول الأمور والغايات وأشكال السلوك المفضلة لدى الناس ، توجه مشاعرهم ، وتفكيرهم ، ومواقفهم ، وتصرفاتهم ، واختياراتهم ، وتنظم علاقاتهم بالواقع والمؤسسات والآخرين وأنفسهم والمكان والزمان ، وتسوغ مواقفهم وتحدد هويتهم ومعنى وجودهم ، أي تتصل بنوعية السلوك المفضل بمعنى الوجود وغاياته.
§       السمالوطي: القيم مجموعة الأفكار المشتركة وجدانيا ، تدور حول ما هو مرغوب فيه ، والتي يرتبط فيها أعضاء الجماعة وجدانيا بحكم تمثيلهم إياها بفعل عمليات التنشئة الاجتماعية ، والتي تسهم في تنظيم السلوك.
§       ثورنداك: هي مجموعة من التفضيلات المبنية على شعور الإنسان باللّذة أو بالألم  وهذان يعدان المحكين الرئيسين للحكم على القيم وتكونها ، فتمسك الإنسان بالقيم مناط إمّا بتحقيق لذّة أو بدفع الألم ، أمّا سوى ذلك فإنّه يكون عديم القيمة على الإطلاق.
§       بايرو توفلر: القيّم الّتي يتبنّاها الأشخاص لها عوامل مهمّة ومحدّدة لسلوكهم ، فعندما يؤدّي المرء سلوكا معيّنا ، أو يختار مسارا مفضّلا له على سلوك أو مسار آخر ، فإنّه يفعل هذا وفي ذهنه أنّ السلوك أو المسار الأوّل يساعده على تحقيق بعض من قيّمه أفضل من السلوك الآخر.
§       هالستد: القيّم هي المبادئ والمعتقدات الأساسية ، والمثل والمقاييس أو أنماط الحياة الّتي تعمل مرشدا عاما للسلوك ، أو نقاط تفضيل في صنع القرار ، أو لتقويم المعتقدات والأفعال ، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالسمو الخلقي والذاتي للأشخاص.[1]
ثانيا: خصائص القيّم:
تمتاز القيّم بمجموعة من الخصائص الّتي تميّزها عن غيرها من المفاهيم الأخرى كالحاجة  أو الدافع أو المعتقد أو الاتجاه أو السلوك ، ويمكن إجمال أهمها في مايلي:
§       أنّها إنسانية بمعنى أنّها تختصّ بالبشر دون غيرهم ، وهذا ما يميّزها عن الحاجات الّتي تخصّ البشر وغيرهم.
§       أنّها غير مرتبطة بزمن معيّن ، فالقيّم إدراك يرتبط بالماضي والحاضر والمستقبل ، وهي بهذا المعنى تبتعد عن معنى الرغبات أو الميول الّتي ترتبط بالحاضر فقط.
§       أنّها تمتلك صفة الضّدّية ، فلكلّ قيمة ضدّها ممّا يجعل لها قطبا إيجابيا ، وقطبا سلبيا، والقطب الإيجابي هو وحده الذي يشكل القيمة ، في حين يمثل القطب السالب ما يمكن أن نسميه ( ضدّ القيمة أو عكس القيمة ).
§       المعيارية بمعنى أنّ القيّم تعتبر بمثابة معيار لإصدار الأحكام ، تقيس وتقيّم وتفسّر وتعلّل من خلالها السلوك الإنساني.
§       أنّها نسبيّة ، أي أنّها ليست مطلقة ، بل تمتاز بالثبات النسبي وهي تختلف من مجتمع لآخر تبعا لعوامل المكان والزمان والثقافة والجغرافيا والإيديولوجيا.
§       أنّها متعلّمة ، أي أنّها مكتسبة من خلال البيئة وليست وراثية ، بمعنى أنّه يتمّ تعلّمها واكتسابها عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة.
§       أنّها ذاتية ، فالقيّم ترتبط بشخصية الفرد وذاته ارتباطا وثيقا وتظهر لديه على صور مختلفة من التفضيلات ، والاهتمامات ، والاختيارات ، والحاجات ، والاتجاهات ، والأحكام ، مما يجعلها قضية ذاتية شخصية يختلف الناس حول مدى أهمّيتها وتمثّلها باختلاف ذواتهم وشخصياتهم.
§       تجريدية بمعنى القيّم معان مجردة تتّسم بالموضوعية والاستقلالية ، تتّضح معانيها الحقيقية في السلوك الذي تمثّله والواقع الذي تعيشه ، ولا يمكن إدراك القيّم إلاّ من خلال الواقع الذي تمتزج فيه القيمة المجردة بعالم الأشياء.[2]
ثالثا: تصنيفات القيّم:
يمكن تصنيف القيّم الاجتماعية إلى مايلي:
أولا:القيّم الموجبة والقيّم السالبة: إذا كان كلّ مجتمع ، يحدّد ما يرغب لأفراده أن يتّصفوا به من صفات فاضلة ، أي يضع أمام الأفراد قيّما تؤدّي وظيفة المنارات الّتي ترشد إلى السلوك الأمثل ، فإنّ كثيرين من الأفراد لأمر أو لآخر لا يلتزمون بهذه القيّم.
وعليه فعبر كلّ تاريخ الإنسان وعلى مختلف المستويات الحضارية ، بعبارة أخرى فكما أنّ هناك قيّما مشروعة Legitimate Values  فهناك قيّم أخرى غير مشروعة ، أي أنّها سالبةInvalues  ويمكن تقسيم هذا الضرب الأخير إلى:
1- القيم السالبة الشخصية: وهذه تلاحظ حين ينحرف الأشخاص في بعض سلوكهم عن القيم الشريفة التي احتضنوها ، وحين يتنكرون لها ، يسبب ضعف في الإرادة مثلا ، وعندها فإن المؤمن الذي يخطئ رغم انزلاقه للخطيئة يستشعر الخزي مما فعل بوخز الضمير ، ويشعر بعدم احترام الذات ، وبهبوط مكانته هو نفسه ، حتى في نظر نفسه.
2- القيم السالبة الجماعية: تظهر هذه القيم السالبة الجمعية ، والمعادية للمجتمع الأم ، في صورة ألوان من الاستغلال غير العادل ، تقوم به بعض الجماعات كما في حالة عصابات اللّصوص والمزيفين وغيرهم ، وهؤلاء تتعارض مصالحهم مع مصالح المجتمع الأكبر ، بل هي تكون على حساب خراب المجتمع وضياع رفاهيته وأمنه.
ومن أسباب انتهاكات القيم حسب عالم الاجتماع الهندي " رضا كمال مكرجي Rida Kamal Muckeriee  " مايلي:
2- 1- اصطدام المصالح الشخصية والعامة بالقيم الايجابية في المجتمع:حين يصطدم التمسك بالقيم الايجابية ، مع مصالح الأفراد والجماعات اصطداما قاسيا مستمرا ، بسبب تغير في بعض النظم الاجتماعية الأساسية كالنظام الاقتصادي مثلا.
ومن أمثلة ذلك مسألة الفائدة على القروض التي لا تزال تمثل مشكلة في العالم الإسلامي أو بالأحرى بالنسبة للمسلمين الذين يريدون التوفيق الكامل بين أوامر الدين ومتطلبات العمليات الاقتصادية الحديثة.وهو أمر مصحوب أحيانا بصعوبة بالغة عبر عنها الأستاذ الدكتور " محي الدين صابر" فقال: ( فلو تخيلنا أنه إجماعا قمنا على تحريم الفائدة لأصبح من العسير تصور حياة مالية واقتصادية في المجتمع الجديد ، وتعطلت كل النشاطات الصناعية والمرافق التجارية في صورتها القائمة في العالم الحاضر).وعديدة هي المشكلات الاجتماعية في العالم العربي من هذا النوع ، منها نظم التأمين على الحياة ، وضد الحوادث .....فهي تعطي أمنا نفسيا واقتصاديا ، ويقبل عليها الناس لاسيما المتعلمين ، وفي الوقت نفسه يستنكرها البعض باسم الدين.
2-2- باسم الحريات الشخصية والعامة: حيث تسمح الدولة ، بقيام منظمات ، أو جماعات أو نشاطات تدعم القيم السالبة مثل: المشروعية القانونية لنظم البغاء ، وهذه قد تكتسب رواجا وانتشارا لأسباب سيكولوجية وسوسيولوجية معروفة منها أن الناقمين على المجتمع ، وعلى نظمه ، والعاجزين عن النجاح فيه ، يحسون بتوتر نفسي شديد.
2-3- ترويج القيم السالبة In Values : إذ تحول إشباعها إلى مصدر مسموح به قانونيا ، للارتزاق وحتى للإثراء وذلك مثل استغلال الأفراد والشركات لشهوات الناس بإنتاج الأدب المكشوف Pronography أو الأفلام الداعرة ، أو تنظيم نشطات للبغاء بصور يشق على القانون تصيدها ، أو الاتجار في السوق السوداء.
2-4- المكانة الاجتماعية: فبمقدار ما حقق الإنسان من ثروة ، مع عدم الاهتمام الجدي بطريقة الحصول عليها يشيع التخلي عن القيم الأخلاقية العالية ، كما رأينا عدد من الزعماء في بلادنا العربية بعد فترة طويلة من النضال ، كيف ألجأهم اليأس أو الفقر في النهاية إلى بيع القضايا الوطنية للإثراء مستغلين ماضيهم المجيد في تضليل شعوبهم ، وهي شعوب يسهل انخداعها بسبب الأمية المتفشية ، والدعايات الواسعة المأجورة.
2-5- الاعتياد على انتهاك القيم الايجابية: حين يكثر المنتهكين للقيم الفاضلة في مجتمع ، فإن هذا يفقد الشرفاء إذا كانوا ضعاف النفوس حماسهم في محاربة أو مناوأة القيم السالبة ، ومن الأمثلة لذلك أن الريفي الذي ألّف عفة المرأة ، يثير غيظه أن أحدهم في الحافلة يتحكك بفتاة ....ولكن حين يعيش طويلا في المدينة يصبح مثل هذا المنظر الوقح مألوفا ...أو على الأقل لا يستثيره لأن يغير هذا المنكر بيده.[3]
ثانيا: القيم المثالية والقيم الواقعية: في بعض المجتمعات ، يشيع الاستنكار العام ، وعلى أوسع نطاق. وبصورة قوية ، لبعض الأنماط السلوكية ، غير المشروعة ، والتي تتنافى مع قيم عالية: الدينية أو الأخلاقية ، ومع ذلك فإن هذه الأنماط المنحرفة الغير مشروعة ، وجدت ، وعاشت ، وتعيش جنبا إلى جنب مع القواعد السلوكية التي يفترض فيها أن يمنع الانحراف ، فمثلا في المجتمعات البدائية يحرم على الرجل أن يتزوج من امرأة لها صلة قرابة بصلة أمه ، ولو لأجيال سابقة ، فإذا تزوج رجل من امرأة يعرف نسبها ، ثم أصابه مرض شديد ، فإن هذا يرد إلى أنّها ربما تكون محرما عليه ، دون أن يدري هو ، أو أهله أو أهل زوجته ، ولعلاج هذه المشكلة فإنه يؤتى بذبيحة يضحي بها ، فتقسم نصفين ، نصف يعطى لأبي الزوج ، والآخر لوالد العروس ، وبعدها تصير العروس حلالا له.
وخلاصة ذلك أن الأنماط الواقعية والمثالية ، تدخلان كلتاهما في تكوين الثقافة ، ولكن الأنماط الواقعية لا تذكر في البيانات الرسمية ولا نعلمها تعليما عن قصد لأبنائنا وبناتنا فيما يتعلمونه في الأسرة والمدرسة والمعهد ، وإنما تنتقل تلك الأنماط غير المستحبة عن طريق القيل والقال ، وأحيانا باسم النصيحة ، وقد يكون هذان الأسلوبان أشد تأثيرا في النفوس من الوسائل الرسمية ، ولهذا السبب فإن العالم الأمريكي " ملتون ينجر" يقترح أن يطلق على الأنماط الواقعية مصطلح " النمط المستتر " ، وعلى الأنماط المثالية مصطلح " السلوك السافر" ، ذلك لأن الثانية هي التي يعلن عنها بصراحة ، على حين أن نوع الأنماط الأولى يمارس بصورة غير رسمية ، وربما بطريقة سرية وفي الخفاء.[4]
ثالثا: القيم الشخصية والقيم الحضارية:
يقيم هذا التمييز البروفسور " أرنولد جرين " فيقول: ( على العكس من القيم الفردية أو الشخصية ، يلاحظ أن القيم الحضارية تتميز باحتوائها على عنصر الاهتمام بالصالح العام سواء في صورة صريحة أو ضمنية ).
ويزيدنا الدكتور " جرين " إيضاحا فيقول: ( ليس مجرد اشتراك الأشخاص في قيمة معينة يجعلها قيمة اجتماعية ، وكثير من القيم مشتركة وشائعة ، وينشدها ويحققها كثير من الأفراد كل بنفسه لنفسه، مثل الحب الرومانتيكي ، وتناول القهوة ، وقراءة الروايات الخيالية ، ولكن هذه النشاطات ليست في ذاتها قيما اجتماعية " حضارية " لأنها لا تستهدف الصالح العام ). وعليه فإن للشخص القيم الحضارية ، وهي التي غرسها فيه المجتمع لكي يتوافق وينسجم ويتعايش مع الآخرين ، وذلك لأن المجتمع يرسم في أذهان البالغين من أفراده ، صورة للشخصية الأساسية ، والتي يضعها المجتمع أمام أعضائه ، نموذجا أو أكثر للشخصية التي يجب على الأطفال احتذاؤها.ويمدنا عالم الاجتماع الهندي " مكرجي" بنظرية يفسر فيها كيف تحيل الثقافة ، وقيمها الاجتماعية أي فرد إنساني إلى شخص يكن الولاء للمجتمع الذي ينتمي إليه ، بل الولاء للإنسانية كلها إذا كانت ثقافة هذا المجتمع منفتحة على العالم فيقول في ذلك إن هناك ثلاثة مستويات ، أو بالأحرى ثلاثة أبعاد أمام الإنسان وهي:
البعد الأوّل : البعد البيولوجي الاجتماعي: إن الإنسان لا يستطيع أن يشبع كثيرا من  حاجاته البيولوجية مثل " التغذية ، المسكن والملبس ، الجنس " بدون المجتمع ، بسبب عدم كفاية طبيعته كإنسان ، وهي طبيعة لا تسمح له أن يحيا منفردا عن البشر ، وهو محتاج إليهم في إشباع حاجاته الاجتماعية كالحاجة إلى التقدير وإلى الحب ، وإلى الأمن النفسي ...الخ.
البعد الثاني : الولاء للمجتمع: هو الشعور بالولاء نحو المجتمع ، والانتماء له ، والرغبة في ترقي هذا المجتمع ورفعته وسلامته ، والعمل على أن ينسجم الفرد مع إخوانه وبني جلدته ، وبدون هذه الصلة النفسية بالمجتمع لا يسعد الشخص.
البعد الثالث : البعد الروحي: هو الذي يحقق بموجبه الإنسان الاتزان النفسي وفي كل من 
المستويات السابقة ينمي المرء فضيلة أي قيمة كبرى نوعية معينة و هذا وفق:
- ففي البيئة الحيوية الاجتماعية ينمي الإنسان في نفسه بعد النظر و شدة الحذر.
- في البيئة النفسية ينمي الإنسان في نفسه قيمة الولاء للمجتمع.
- و في البيئة الروحية ينمي الشخص في قلبه قيمة التقوى ؛ و التقوى بوصفها قيمة روحية هي التي تدعم فضائل الإنسان كلها وقيمه الأخلاقية.... ، وهذا الارتباط من جانب الإنسان مرتبط بقوة علوية ، والخشوع لها ، يساعده على السمو بنفسه وبشخصيته وعلى خدمة مجتمعه ، وخدمة الإنسانية كلها إذا وسعه ذلك.
وسمو الشخصية الذي يتحقق للإنسان بترقي هذه الأبعاد أو المستويات ، إذا تحقق وساد أفراد المجتمع ضمنوا لمدينتهم البقاء والازدهار. وآية ذلك أنه حيثما تحللت هذه القيم سقطت المدن العظيمة ، وثمة إشارات توحي بأن بعض المدن المعاصرة ( رغم قوتها المادية ) لن تعمر طويلا. والمدن قامت وسقطت ، وستقوم وتسقط ، بقدر ما تؤكد ، وبنوع ما تؤكد على نمو الشخصية في أعضائها ، وبقدر ما تربط بين هذه الشخصية الأساسية بقيم عليا ، ومثل روحية تهدف أن تحقق ( للفرد والمجتمع والعالم ) الخير والجمال والحب.[5]







رابعا: القيم التوزيعية والقيم غير التوزيعية:
يمكن أن تقسم القيم إلى توزيعية وغير توزيعية.وقد ميز العالم الأمريكي " روين م وليامز " بين هذين النوعين فيرى أنه من أمثلة القيم غير التوزيعية ، للعاطفة الدينية ، والاعتزاز بالوطن ، والعصبية القبلية.وفي هذه الأمور يشترك أفراد الجماعة وإذا زاد من يحملون هذه المشاعر ( أو القيم ) ، لم تنقص بسبب زيادتهم.فهي من هذه الناحية تختلف عما لو كان معنا شيء مادي كلما كثر من لهم حق في نصيب منه ، كلما قلّت حصة الفرد.وبعبارة أخرى فإن العواطف التي تتمركز حول الأمة ، والوطن ، والديانة...الخ لا تنقص إذا كثر المشتركون في اعتناقها ، ولا تزيد في نفس الفرد بنقص عدد الأفراد المؤمنين بها.
أمّا القيم التوزيعية فإنّها متعلقة بأشياء قابلة للانقسام أي بالأشياء المادية التي لها كم محدد ، إذا زاد نصيب فرد أو جماعة فيه ، كان ذلك على حساب نقص أنصبة الآخرين.فالبشر يحتاجون لأشياء لا توجد في عالمنا إلاّ بكميات أو مقادير محدودة.وبهذا المعنى الواسع فإن هذه المشكلة تنطبق بصورة قوية ملموسة في نطاق النظام الاقتصادي والذي يدور حول توفير السلع والخدمات للبشر.ويحتاج هذا إلى تنظيمات اجتماعية ، وإلى وضع قواعد تنبع بمختلف هذه القواعد والتنظيمات في مدى جبرية بعضها ، ونوضح ذلك من عندنا ففيما يتصل بضروريات المعيشة ( كالخبز والأطعمة ....وغيرها ) ، فسواء تحدثنا على مستوى الجماعات الصغيرة كالقبيلة ، أو الكبيرة كالدولة ، فإن المجتمع يفرض قوانين لضمان استمرار حياة أعضائه ، عن طريق تنظيم توزيع المؤن والقوت وغيرها من الضروريات بأسلوب فيه الكثير من العدالة ، وفي المجتمعات التي يسودها التنافس ، والحرية الاقتصادية فإن حرية المنتج والتاجر في مجالات معينة مقيدة ، فلا يجوز رفع أسعار الضروريات فأمّا في الكماليات كالمجوهرات وغيرها فإنه يمكن أن يترك لقوانين العرض والطلب أن تحدد أسعارها.[6]
 خامسا: القيم المفروضة ( أو المنسبة ) والقيم المكتسبة:
قد تكون القيم مفروضة على الإنسان من الخارج ( منسبة ) كأن يرث الإنسان بموجبها وضعا اجتماعيا ، أو مركزا اجتماعيا ليس بسبب عمله ، بل لانتمائه إلى جماعة معينة (عائلة ، عشيرة ، قبيلة ، سلالة ، دولة ....) ، ويعكس هذا الوضع أن السؤال الذي يوجه للشخص في أمثال هذه الحالات يكون من أي جماعة أنت؟ ، ومن جهة أخرى هناك القيم المكتسبة وهي التي تتحقق للشخص نتيجة لما بذل من جهد.[7]
وما وفق إليه من تحقيق نتائج عملية في ميدان يقدره المجتمع ، والمظهر لوجود هذه القيم أن نقول للشخص: ماذا فعلت؟ أو ماذا حققت؟.
ومن أشكال القيم المفروضة مايلي:
1- الطبقة الاجتماعية:في حالة القيم المنسبة يرث الإنسان رموز القيم ويستتبع ذلك الاعتقاد أنه ورث في نفس الوقت كل الفضائل والمزايا والامتيازات المرتبطة بهذه القيم ، وهذا هو السبب الكامن وراء نظام الطوائف في الهند ، وفي هذا النظام نرى طبقات رئيسية مغلقة ، بمعنى أن الشخص يعيش ويموت في نفس الطبقة التي ولد فيها ، وتعطي كل طبقة اسم مهنة ، وإن كانت أقلية من أفراد هذه الطبقة هي التي تمارس بالفعل هذه المهنة المميزة للطبقة والعضوية في الطائفة وراثية.ولا يتزوج الشخص من خارج طبقته.
2- السلالة: كثير من الشعوب لا تضم سكانا من سلالات عديدة مختلفة ، ولكن المجتمع الأمريكي على سبيل المثال غير متجانس من هذه الناحية ، والسلالة التي ينتمي إليها الإنسان هي مصدر لقيم مفروضة عليه.وهي تلزم الإنسان منذ الولادة ...ويستتبع الاختلافات في الأمكنة على أسس سلالة اختلافات في التقييم الاجتماعي ، وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعاد الأسود والأبيض نفس الإله ، ولكنهما يؤيدان نفس هذه العبادة في مبان منفصلة ، وعبارة ( أهلا بكم ) والتي تقرؤها واضحة على واجهة كنيسة للبروتستانت البيض ليست موجهة إلى الزنوج ، ولا حتى يقصد بها كل البيض فإنها خاصة بالطبقة الراقية من البيض.والتمييز على أساس السلالة يتغلغل في كثير من المعايير الاجتماعية المرتبطة بالمكانة على أسس أخرى مثل: العمر والجنس والمهنة.
ومن مظاهر التمييز للسلالة في أمريكا أن جرائم السود ضد إخوانهم السود لا يعاقب عليها بنفس الشدة التي تعامل بها جرائم البيض ضد البيض ، ولو أن جرائم السود ضد البيض تعامل بقسوة أشد ، وأنه لا يمكن تصور أن يشغل منصبا كبيرا رسميا شخص أصله من الهنود الحمر أو زنجي من السود الأمريكيين ... بل إن الزنجي غير مسموح له أن يرأس حتى فرقة موسيقية على مستوى محترم مهما كانت براعة هذا الزنجي وموهبته.
5- جماعة القرابة: إن القواعد الخلقية السلوكية الراقية التعاونية دائما أكثر شمولا من وأشد قوة في التطبيق داخل جماعة القرابة كالعائلة أكثر منها خارجها وأول ما يستشعره الرجل البالغ هو انتماؤه لزوجته وإلى أقاربه ، كما أن مستويات الأمانة ، والعدل في المعاملة ، والالتزام بالتعاون ، وتبادل الخدمات في أوقات الضيق ، هذه الفضائل تطبق بصورة أكثر حتمية بالنسبة للفرد ، في مكانته كأحد الأقارب أكثر مما هي حتمية ومرتبطة بمكانته كمواطن أو موظف أو عضو في ناد ، وفي كثير من المجتمعات البدائية ، تشعر الجماعة بالتضامن فيما بينها ، وأيُّ اعتداء على فرد منها يكون بمثابة اعتداء على الجماعة كلها ، ولكن عدوان فرد منها على أفراد الجماعة الأخرى لا يثير غضبا ، ولا اشمئزاز ، ولا يحرك ضميرا ، طالما أن عدوان هذا الفرد لا يجر على الجماعة متاعب لا تستطيع مواجهتها.
4- القيم المفروضة على أساس من الجنس ( اختلاف الذكورة عن الأنوثة ): تختلف القيم الخلقية التي تفرض على الإناث عن تلك التي يطالب بها الرجال فالواجبات التي تناط بالفتيات الصغيرات تعدهن لوظائف الأمهات ، ورعاية الأطفال ، ومن ثم تستبعد المرأة البالغة من الأعمال العسكرية ، ومن الكثير من الأعمال الاقتصادية ، والقيم المفروضة على الفتاة كثيرا ما تمنعها عن تحقيق المكانة التي تصبوا إليها ( كأن تعمل قاضية أو ضابطة في الشرطة ) في بعض المجتمعات ... كما أن البنات يعاملن بالشدة أكثر من البنين لأن الخوف على عفتهن وأخلاقهن أشد.وقد يتسامح المجتمع أو الأب إزاء مغامرات الابن الشاب ، أو المراهق ، ولكنه يضيق بأية زلة لابنته ، ويسمح للذكور أن يكونوا أكثر تعبيرا عن النفس إظهارا للسيطرة والقيادة.
5- العمر: إنه لا يوجد عامل واحد له ما للعمر من أهمية في تفسير سلوك الناس على نحو معين من مجتمعات عديدة ، فمثلا لا يؤدي الأحداث ، والصغار في الحياة الاجتماعية نفس الأدوار التي تستند إلى البالغين ، كما أن الاختلافات العمرية يرافقها تمييزات عديدة في تحديد الملبس اللائق ، وفي تحديد سلوك كل طبقة عمرية نحو الأخرى وللعمر وزنه في تقرير العديد من القيم الاجتماعية والتي منها:
1- المسؤولية عن أدوار معيّنة : إنّ العمر له أهميّته في تحديد المسؤولية القانونية على السلوك ، و في اختيار الزوجة ، و في التعليم المؤسسي ، و في الصداقة ... ذاك أنّه يتحتّم على الفرد أن يبلغ سنا معيّنة حتّى يكون له حقّ دخول المدرسة ، و سنّا أخرى لتحمّل مسؤوليته كاملة أمام القانون ، أو للتزوّج وكسب معاشه ، أو لكي يجنّد في القوات المسلحة ، أو لكي يوقع عقدا قانونيا ، أو أن يرشّح نفسه عضوا في الهيئات النيابية.
2- قيّم المراحل العمرية في ثقافات متباينة :
2-1- النضوج كقيمة عمرية : يعني العمر " النضوج " إذا كانت الإشارة إلى مرحلة الشباب و النضج عملية فزيولوجية و لكن يرافق هذا النضج الجسمي ألوان معيّنة من السلوك ، فلا تسمح كثير من المجتمعات لشخص بالزواج دون البلوغ ، و بالمثل فإنّ التفوق الرياضي و القدرة الجنسية تستلزم بلوغ سنّ معيّنة ، و لو أنّنا نجد اختلافات كثيرة عند المجتمعات في تقدير السنّ المرتبطة بالنضج.
2-2- الخبرة الاجتماعية : فكلّما طال عمر الشّخص كلّما اعتقدت بعض المجتمعات و خاصة الريفية أنّ هذا الشّخص قد اكتسب المزيد من الخبرة بالحياة ، و المرحلة الّتي تقترن في الأذهان بالخبرة الاجتماعية هي مرحلة الرجولة و الكهولة وما بعدها ، و من الملاحظ أنّ المرء كلّما تقدّم به السنّ كان أكثر ميلا إلى المحافظة و التمسّك بالقيّم القديمة التقليدية ، و النفور أو الخوف أو الشّك في القيّم و الأنماط السلوكية المستخدمة أو المبتكرة خشية أن تعدّ بدعا مستنكرة.
سادسا : القيّم الارتباطية و القيّم الانفصالية : إنّ التعاون و التنازع بدورهما طرفان مستمران أو متّصلان ، فأساس القيّم الارتباطية هو حبّ الآخرين و العمل لصالح الجماعة ، فإذا قلنا أنّ هذه السمة من أبرز ملامح القيّم على أنّ المظهر السلوكي لحبّ الآخرين هو التّعاون ، و متى كان التعاون قيمة سائدة في المجتمع فإنّ أعضاء هذا المجتمع يعطون قيمة عالية للعلاقات الّتي تؤدّي إلى الملاءمة بين مصالح الجماعة ككلّ و الجماعات الأخرى الخارجة عن نطاقها الداخلي و المشتركة معا في إطار عام ، و معنى ذلك أنّ الجماعات المختلفة طبقات كانت أو جماعات فرعية ، أو مهنية أو دينية أو أحزاب سياسية ....لا تختلف إلى الحدّ الّذي يمزّق وحدة الوطن بل إنّه إذا حدث خطر خارجي نسيت هذه القطاعات كلّ اختلافاتها ووقفت جبهة واحدة لحماية المجتمع في تعاون و تضامن و إيثار.
     ونجد في الطرف الثاني المنفصل التنازع القائم على البغض و على التناحر و التفرقة و الاشمئزاز و الكراهية و عدم الثقة و المجافاة و التسلّط و الاعتداء ، و عليه فالتنازع يؤدّي إلى تقويض المجتمع و هدمه.[8]

  رابعا: القيم الاجتماعية في المجتمع الجزائري قديما:
التغير الاجتماعي للقيم كان تلقائيا نتيجة لحركة الرتيبة وتفاعله اليومي ، وربما كان مقصودا موجها وفق خطة مدروسة ، وهو تغير اجتماعي وليس تغيرا اجتماعيا ومن خلال التفاعل الاجتماعي التلقائي يتغير المجتمع فينمو ويشيخ وقد يتقدم أو يتأخر.
وقد تحدث ابن خلدون عن التغير الاجتماعي من خلال المراحل التي تمر بها الدول فهي توجه السلوك وتقود التغير وفي الوقت تتأثر بالتغير فتنمو أو تضعف.
والقيم هي مبادئ ومعايير مسلمة بين جميع أفراد المجتمع فهي تمثل مرجعية للسلوك ، أما مصدرها فهي الشريعة المنزلة أو اجتهادات العلماء ، فالقيم ليست منفصلة عن الواقع وإنما هي ماثلة في الأذهان ظاهرة في الأعيان ، فهي ماثلة في الذهن وتظهر من خلال الرموز والشخصيات والسلوكات ويجسدها في المجتمع. وإذا سقطت القيم في المجتمع وانهار المجتمع ولنا أن نتخيل مجتمعا تتهم فيه الأسرة بالجهل وبالتخلف.وبهذا لم يكن التغير الاجتماعي مصدر تهديد لقيم المجتمع ومعاييره وكان يتم في إطار النسق العام الذي رضيه المجتمع كما لم يكن غالبية أفراد المجتمع تلقين من عملية التحديث.[9]







خامسا: العلاقة بين القيم والمقوم:
    إن الإنسان هو الكائن الوحيد الحامل للقيمة والغاية ، وهو الكائن المؤهل بما يحمله لأن يكمل نظام وجوده ، فالقيمة وجودها موضوعي نسبيا ، وعلى هذه القيمة يعيش الإنسان سلوكه وأحكامه لأن القيمة هي العنصر الرئيسي للحياة الأخلاقية.
   فالإنسان لا يفكر بحكمة إلا والقيمة متمثلة في ذهنه لأن الفعل الإنساني القيمي محكوم بشبكة العلاقات الاجتماعية التي يكون طرفا منها ، فالمجتمع هو المرجع الأول في صحة أو خطأ الأحكام القيمية ، فدراسة القيم داخل الجماعة يجعلنا نحلل مضمون القيم العامة التي توّجه الجماعة وأعضائها نحو تحقيق أهدافها ، لاسيما أن هذه القيم تعبر عن اتجاهات واعتقاد الأفراد ورغباتهم وميولهم وأفعالهم مثلما سبق ذكره نحو المبادئ والأسس العامة التي تربطهم داخل الجماعة أو التنظيم الاجتماعي.
  فالقيمة لا تحتفظ باستمرارها كنموذج إلا إذا رعاها المجتمع وتبناها حتى لو أنكرها بعض أفراده ، أما إذا غير المجتمع أو طور في معنى القيمة وحافظ عليها بعض الأفراد فإن أشكال سلوكهم تصبح شاذة ولو كانت صحيحة.وإن علاقة القيمة بالمقوم علاقة دائمة زمنيا ولكنها كثيرا ما تكتسب معاني إضافية من الحامل نفسه وهذا الحامل الإنساني للقيم قد ينكر وجودها في بعض الأحيان ، ومثال ذلك الوضعيون والمناطقة الذين أنكروا وجود قضايا أخلاقية بحجة أن القضايا الأخلاقية لا تقول شيئا سوى أنّها تعبير عن عواطف البشر ورغباتهم وانفعالاتهم الآنية والظرفية ، لكن الحقيقة القيمية تناهض أرباب المذهب الوضعي فعندما يحلم البشر بالخير والشر أو الحق والباطل بشكل دائم لا يكون الحلم للحظة أو ظرف ثم يزول فهناك أحلام وقيم كانت منذ مئات السنين ولا تزال وهذا يدحض مذهب الوضعيين بآنية وظرفية القيم.
  والعلاقة بين القيم والمقوم هي علاقة وجودية ، فإذا غاب أحد غاب الآخر بالضرورة وبوجودهما معا يتشكل الحكم القيمي ، فالعدل قيمة والحكم بموجبه عادل ، والكرم قيمة والحكم بموجبه كريم ، وعليه فالقيمة مهما كانت درجتها فإنها فضيلة اجتماعية وشخصية ، وهي تظهر دائما في السلوك الإنساني عبر جميع القطاعات النفسية والبيولوجية والاقتصادية والدينية.وعليه ومن هذا المنطلق فالقيمة وإن كانت في مظهرها الشخصي حالة نفسية إلاّ أنّها مشتركة بين الجميع ، والمجتمع هو الذي وهبها تلك الصورة لتظهر النفس على حالتها التي كونها هو أصلا في شخصيات أفراده.[10]  
سادسا: التغير الاجتماعي للقيم:
   يشير مفهوم التغير بمعناه العام إلى الفرق بين حالة جديدة وأخرى قديمة ، أو اختلاف لشيء عما كان عليه خلال فترة زمنية معينة وقد لا يكون التغير بالانتقال إلى حالة أفضل ، والتغير الاجتماعي هو التبدل الذي يصيب المجتمع ويؤثر في بنائه الاجتماعي خلال فترة من الزمن ، بحيث لا يخضع هذا التغير لإرادة معينة بل إنه نتيجة لتيارات وعوامل ثقافية واقتصادية وسياسية ويتداخل بعضها في بعض ، فالتحولات التي تطرأ على النظم والعادات والقيم المجتمعية تؤثر في علاقة الفرد بالجماعات ، وإذا كانت ثمة عوامل غير ذاتية فيما يخص تغير القيم فهي تتعلق بالتبدل الحضاري والثقافي للمجتمع ، فالقيم هي إحدى المؤشرات المهمة لنوعية الحياة ومستوى الرقي والتحضر في أي مجتمع ، وبذلك يكون التغير هو تلك التعديلات التي تحدث في المعاني والقيم السائدة في المجتمع أو بين بعض جماعاته الفرعية ، فلكي تحافظ القيم بوصفها قواعد ومعايير ضبط اجتماعي على وظائفها عليها أن تكون مرنة لكي تستطيع التكيف مع الحاجات الاجتماعية المتغيرة.
   والقيم تتغير بتغير أحوال الناس وطرق معيشتهم وتطور أفكارهم فالقيم السلبية قيم مرفوضة من الناس في عصر معين ومجتمع معين ، ومن القيم السلبية التي يرفضها مجتمعنا ( التعصب ، اللامبالاة ، الانتهازية ، العلاقات الجنسية الغير شرعية..... ) ومن القيم الإيجابية المطلوبة ( التسامح ، حب الوطن ، العمل ، العدالة ، المثابرة ، الثقة بالنفس ) وقد نجد في القيم السلبية غاية للقيم الإيجابية من الناحية الفلسفية ولو أن هذه الأخيرة هي الغايات للقيم وحسب لما عنيت بها نظرية القيم.
   وإن نسبية القيم تبعا للمجتمعات هي طريقة علم الاجتماع في تناول موضوع القيم ، والحقيقة أنه ما دامت القيمة إنسانية شخصية بحتة فسيرى في القيمة دائما عنصر قوي هو العنصر التقديري الشخصي المتوقف على الاعتقاد ، فلابد إذن أن تكون نسبية بمعنى أنّها تختلف من شخص لآخر ، ومن مجتمع لآخر كل حسب حاجاته ورغباته وتربيته وظروفه ومرحلته العمرية.[11]
سابعا: التغير في القيم الاجتماعية في المجتمع الجزائري المعاصر:
إننا نجد القيم اليوم في العصر الحديث قيم المجتمع الجزائري مرتبطة إلى حد كبير بالتغير الاجتماعي ، وهذا بسبب تنامي موجات العولمة وما رافقها من تطورات هائلة مست جوانب الحياة المختلفة السياسية والإقتصادية والثقافية والاجتماعية. لذلك نجد بعض القيم الاجتماعية مثلا التعاون والاحترام ، الانتماء ، حب العمل ، الوفاء بالعهد ، الكرم ، الولاء ، وتكاد هذه القيم تنعدم وهذا لتغير الظروف الاجتماعية [12]، فإننا نجد أن أغلبية الأفراد يقلدون المجتمعات الغربية وما تحمله من قيم سواء إيجابية أو سلبية ، فمثلا نرى أن المجتمع الجزائري أصبح من مؤيدي فكرة خروج المرأة للعمل ، وتنامي ظاهرة المحسوبية ، فهنا نجد أن المجتمع الجزائري غيب مصطلح التعاون وأوجد مصطلح " التعاون معك عن طريق المحسوبية " ، ونضيف إلى ذلك قضية الانتماء الوطني فإننا نجد قيمة المواطنة تقتصر على مساندة اللاعبين في كرة القدم وغير ذلك فلا انتماء وطني ، فنجد الأخ يسلب وينهب مال أخيه ، التعدي على ممتلكات الدولة بالكسر والتخريب ، علاوة على ذلك تفشي مجموعة قيم غريبة عن مجتمعنا الجزائري مثل : تواجد الأم العازبة ، إغتصاب وقتل الأطفال ، ممارسة العنف ضد الأستاذ وانتشاره في الوسط المدرسي ، غياب تقديس واحترام الوقت فالأفراد الذين يقدسون الوقت هي الفئات المنخرطة في إطارات دولية وحسب كالقطاع التربوي والتعليمي ، القطاع الصحي ، على الرغم من وجود تجاوزات إلا أنه هناك تقديس واحترام للوقت.أما فيما يخص جوانب أخرى كقيمة الثقة فإن هذا المصطلح في تدهور دائم فأصبحنا انعدام الثقة وعلى سبيل المثال تقييم الأساتذة للتلميذ على أي أساس يتم وما هي المعايير التي تحكمه ، هذا ما يدفع بأغلبية التلاميذ إلى انعدام ثقتهم بالأساتذة.
وعليه يمكن القول بأن القيم الاجتماعية الجزائرية تغيرت عن السابق مواكبة متطلبات العصر وتكنولوجيته بجانبيها الإيجابي والسلبي، وهي لا تزال في تغير مستمر ومن سنة لأخرى.






 ماجد الزيود ، الشباب والقيم في عالم متغير ، ط 1 ، عمان ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، 2006 ، ص ص 22 – 23 .                        [1]
[2]  المرجع السابق ، ص 24
1- محمد محمد الزلتاني ، القيم الاجتماعية مدخلا للدراسات الأنثربولوجية والاجتماعية ، ط 1972 ، 1974 ، القاهرة ، مطبعة الاستقلال الكبرى  ص ص . 148 ، 153 .                                                                                                                                      
[4]  محمد محمد الزلتاني ، المرجع السابق ، ص ص 163 ، 166
[5]  محمد محمد الزلتاني ، ص ص ، 168 ، 169
[6]  محمد محمد الزلتاني ، المرجع السابق ، ص ص 173 ، 174
[7]  المرجع السابق ، ص 179
[8]  -  محمد  محمد الزلياتي ، المرجع السابق ، ص ص 173 ، 218
[9]  مراد زعيمي ، مؤسسات التنشئة الاجتماعية ، جامعة باجي مختار ، عنابة ، د ط ، 2002 ، ص 65
[10]  حسان هشام ، مدخل إلى علم الاجتماع التربوي ، تقديم نجوى يوسف جمال الدين ، القاهرة ، ط 1 ،2008 ، ص ص 73 ، 74
[11] حسان هشام ، المرجع السابق ، ص 81
[12]  مراد زعيمي ، المرجع السابق ، ص­ ­­66

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

بحث حول المقابلة

بحث حول دافعية الانجاز

بحث حول الاشراف التربوي